"وتستمرّ الحياة" في طبعتها العربية الثانية... تحمل الألم والأمل والرؤى الشمولية للإنسان والعالم
Rania Magazine

تحت الضوء

"وتستمرّ الحياة" في طبعتها العربية الثانية... تحمل الألم والأمل والرؤى الشمولية للإنسان والعالم

 
 
 
Facebook
 
Twitter
 
Linkedin
 
 

بعد كمّ من المؤلفات القانونية، من بينها الجريمة الاقتصادية في القانون اللبناني، شوائب القانون، الجرم المدني، صدر للمحامي الاديب ملحم مارون كرم روايته الأولى "وتستمرّ الحياة" بالعربية بعدما كانت صدرت في الفرنسية في 270 صفحة من الحجم الوسط، مُهداة الى أمّ الكاتب. وهي رواية حب شفّاف راقٍ يتوجه الى كل شرائح العائلة والناس، حيث العلائق الاجتماعية والأخلاقية والتربوية والمحبة والإخلاص والوفاء والتضحية والإيمان، وهذه تتجسّد في حب يجمع بين (كلودين) الزوجة و(حسان) الزوج والأب، والصداقة العميقة والإخلاص والشغف، والطفلة الرائعة (كلودين) الصغيرة التي منذ ولادتها وصرختها الاولى في الحياة تعاني  من مرض في القلب ورثته عن والدها، وهذا المرض سبّب للعائلة معاناة نفسية استمرّت مدة أربعة عشر عاماً، حيث رحلت الطفلة لتستمرّ الحياة ويبقى الأمل  شجرة تثمر ونسائم حب يضوع في الأفئدة والحياة.

أسلوب الرواية، جبراني في بعض الروافد الإنسانية، فضلاً عن خليط فكري نفسي متجانس، قد ينطلق من افلاطون وأفلوطين، وصولاً الى النفسي عند ابن سينا، التي هبطت من المكان الأرفع،  فالرواية  شمولية متحوّلة الى مجموعة من الصفات والآراء التي إن جمعنا بعضها الى بعض أظهرت مواقف ايجابية من الحياة، في البوابات والنهايات وما بينها من سنوات ومن موضوعات النفس البشرية عامة، ومسيرة الحياة والتفاصيل الصغيرة، في عالم ينسجه الكاتب بخيوط من الفكري الفلسفي الإيماني البيئي بشكل خاص، أيضاً قد يجد القارئ نفسه أمام مناخ متنوّع من هذه الخيوط التي تشكل في النهاية نسيجاً فنياً واحداً أو ربما وقفة  ومضة واحدة. إنّها مجموعة خيوط هي أفكار تتجاور وتتداخل في نظام فكري انساني واحد، أو عمل فني متماسك متكامل داخل الحياة وهذه الحياة هي السرّ ونسخ الوجود كما يراها (ملحم كرم)، والأمل هو التجسيد وإن بصورة سلبية لعالم الموت والفقد وكل محاولة للكشف، والحياة والأمل هي في النهاية أكثر من تفاؤل، إنّها قدسية الانتظار والصبر. قسّم (كرم) روايته الى مقاطع وعناوين ومن ذلك مشاعر وعشق وتأمّلات وعواطف وخيبات وتواريخ وأحزان وتضحيات وولادات ومصائب وصولاً الى عودة الحياة، حيث يكشف ويضيء على أنماط  اجتماعية  وسلوكيات تتحكّم بالعلاقات والروابط الاجتماعية، والرابط عنده هو البحث عن التعلق بالحياة، عن قول الخاص في التعبير وفي كشف ذاكرة النساء ولغاتهنّ وحيواتهنّ، وإن كان الجسد يحضر، فالكتابة عنه تحضر في تعبيرات أنيقة شفّافة نورانية تكشف الحقائق وتخفي الخادش للحياء. أما ذاكرة الرجال فكانت في الرواية، موضوعاً للتعبير عن الامتلاك والاستيهامات، وذكورية النظرة، وقد بحث عن الحقائق الآنية أكثر ممّا انطلق من حقائق مُسبقة ومن أفكار جاهزة معلّبة. فالكتابة بنظره أشبه بالحفر ومن بئر العلاقات الاجتماعية ما بين الرجال والنساء والعائلة ككل، ومن حيوات الأبطال عموماً، يعطي من ذاته لأبطاله كما يعطونه هم أحياناً كأنّهم يضيعون وهو يبحث عنهم في الكتابة وفي السير والحوار معهم.

لقد حاول أن يدخل عوالم النساء واستنطاق ما هو دفني ومعتم، محاولاً نزع الحجب والنفاق الاجتماعي في حكاية ذات حافلة بأنماط مختلفة من البشر.

رواية فيها الألم والأمل، وفيها الحب. لا تأتي من زمن آخر أو عالم افتراضي، إنّما من زمن حاول الكاتب من خلاله اختراق ما هو معلوم ومكتوم في أبعاد فلسفية رغم بساطتها، ربما أراد القول بأنّ الحياة أو الموت محكومان بالأمل والحب، وشرط هذه الحياة وعدم فقدانها هو الحب.

هكذا يوحّد الكاتب مشاعره وأحاسيسه مع أبطاله وكائنات روايته وهم: جيهان، فريد، حسان، جاد، رانيا، ليندا، سمير، ميليا جميل، وبهية، هذه الأسماء أو الشخوص أحياناً كانت تبدو غريبة وغير مألوفة، وأحياناً تصيبنا بالدهشة وتحملنا على عشقها وصداقتها وفي المطلق من لحم ودم، تسرح في فضاءات واسعة شاسعة، تظهر على تخوم انسانية مفعمة بالآلام والنور تترجم رغباتها الدفينة الغفيرة المتفجرة في ضمير الكاتب فيزرعها في المسافة بين ما يرغب ويريد، وبين ما يستطيع البحران  فيه في تلاوين الواقع مدمجاً صراعه الداخلي المرير بتجسيد الأشكال والرغبة والتحولات والانزياحات وصولاً الى عناق المطلق، والقبض على الرؤى النائمة في معراج الكون، للاستمرار. أي عدم التوقف والبقاء والثبات والتواصل والدأب والدوام في الحياة.

فالسعادة المنشودة التي تجسّدها الرواية وتطمح الى عناقها كناية عن استمرارية الحياة، والشعور بالارتياح والرضى والانبساط، وهي حالة من الفرح تنجم عن إشباع الرغبات والمسرّة والرغد والرخاء وطيب النفس وراحة البال ضدّ الشقاء والتعاسة.

روائي مُصاب بضربة شمس الحياة واستمرارية وجود الإنسان في صراع الكينونة والكيان، وفي مقارباته ومقابساته التأملية، يدفن الشرور ويزرع التلامع والبصيرة والتبصر في سديم المشاعر والأحاسيس باتجاه الرؤى الجمالية التي تتناثر في طلاوة وطراوة الوجود والأمل الذي يستشف أضواء هذا السديم.

لا نبالغ اذا قلنا بأنّ وراء رواية "وتستمرّ الحياة" شخصية قانونية أدبية مستقدمة ناجحة تتواصل من خلال عملها في الزمن وفي الحياة تغني وتفتني في بروق شمولية تنغمس بالفرح النوراني المعبّد بالمشاعر الغامرة المحتربة  المتغورة بمنابع الروح حتى لو كانت رؤيا الحياة والموت أو الوجود والعدم. إنّها خطاب أخلاقي بامتياز، ابنة بيئتها تعبّر عن ذات عامة وخاصة، وانعكاس لتوجّهات كل فرد وكل جماعة تحمل نبض الإبداع. وقد لا نخطئ لو وضعنا قلم (ملحم مارون كرم) بالأنيق المتمنّع والبسيط القريب والسهل الجذّاب، أي القلم الذي يبغي الإغواء ولا يريد سواه، لتبدو باقي عناصر الكتابة زخرفة فنية تجيد حياكة المفردات وتطويع القلم وتوظيف التفاصيل التي تهب النص الروائي البعد السحري المفتوح على آفاق البصر واستعراض الحالات والتحوّلات في النسيج اللغوي لنص أدبي اختار لنفسه دوماً المفردات ذات الأحاسيس المرهفة التي تختزل انتماء الكاتب الى ذاكرة الأدب الإنساني المحض.

الكاتب المحامي ملحم مارون كرم

 
الثّلاثاء، 1 تشرين الثّاني 2016

أضف تعليقاً

الأسم *
البريد الإلكتروني *
التعليق *
كود السرّيّة *
(*) كود السرّيّة يهدف لحماية الزائر/العضو والموقع في نفس الوقت

تعليقات الزوار

    إن موقع مجلة "رانيا" لا يتحمل مسؤولية التعليقات وهو غير مسؤول عنها.

موضة

New Arrivals

صحة وتجميل

احمي بشرتك في الصيف مع عبجي
احمي بشرتك في الصيف مع عبجي

تقرير

العجز المائي سيصل إلى 610 ملايين متر مكعب عام 2035
العجز المائي سيصل إلى 610 ملايين متر مكعب عام 2035 ...
 
 
 
 
 
 
 
  • Facebook
  • Twitter
  • Insatgram
  • Linkedin
 
CONTACT US
 
Address:
Beirut, Dekwaneh, Fouad Shehab Road, GGF Center, Block A, 3rd Floor
 
Phone: +961 1 484 084
Fax: +961 1 484 284
 
Email:
[email protected]
 
 
RANIA MAGAZINE
 
RANIA MAGAZINE was first issued at the beginning of year 2002 as a monthly magazine.


RANIA MAGAZINE is concerned with economic, development, social and health affairs, news of municipalities, ministries and banks…
 
 
 
 
جميع الحقوق محفوظة @2024 لِمجلّة رانيا | برمجة وتصميم Asmar Pro